الخميس، 18 أغسطس 2016

( ملاذ الحكمة )
كلٌ منا مرهونٌ في رأسه، و ما هو إلا نتاج أفكاره، فإما أن تحيا به حياً بين الأموات، أو تقبره ميتاً بين الأحياء.
و الحكيم الثرى في فضائله، هو من يرى من مصائب الحياة و أزماتها، معملاً للتجربة و اختبار للأشياء، فهو يسيرُ على صراطٍ من شيمه ، فان تعللتُ روحه يأساً، استدرك واثباً واثقاً بتقدير الله، كما لو أنها وثبة من الموت الى الحياة ، فما ضجره إلا إرهاصة لحظية، ما تلبث ان تستغفر ذنبها، فيعود موقناً بنصر الله، حتى لو كان ظاهرُ أمره خسارة أو هزيمة .
فالحكيمُ  لا يضجر و لا يتأفف و لا ييأس، و إنما يصبر و يتحلم و يتأمل ، فقد اسلمته ماضي الايام لالتوأتها، و هفوات تقلباتها، فخلقتْ منه فيلسوفاً لنفسِه ، حكيماً لغيره، يرى بنورِ البصيرة ما لا يراه قليلُ الحيلةِ بسيطُ المراس، و استنبطتْ له معناً آخر للمصيبة، فيراها كرحم المحار الذي يستنبت اللؤلؤ من رملٍ مُزدرى، فأصبح عالمِاً بأحوال الدنيا، و التي لا تستقيم أبداً على حال ، فهو بذلك لا يشاطر الأحمق خوفه من الموت،  فتحرمه لذة الحياة، او يشابه المفتون حرصه على الدنيا فتنسيه حقيقة زوالها و قصر وجودها، فجعل المصيبة مؤطرة في تعريف يقيه شر الوقوع فيها، فيراها وكأنها ولدت برأسين فإما بلاء لم يَصْبر عليه، فخذلته الحيلة في الانفكاك منها، أو سعادة حُرم اللذة منها.
فهو ما أنفكَ يدرسُ مادةَ الحياة، التي بوُبت فصولُها بعلمِ الأحداث والتجريب ، فلا يدع لجحرٍ ان يلدغَه مرتين ، فينهمك مثابراً في تعلُمِ مادتِها، بلغة رصينة، كلماتها نحتٌ عن تجارب العمر ، وتفسير تأويلاتها الإيمان بقضاء الله و قدره المحكم .
و البطولة في نظره، ليست حكاية تُكتبُ بالمداد أو تُسطرُ كلاماتَها الأقلام ، و إنما الشجاعة في اجّل معانيها، رحمة يُسعف بها على نوائب الدهر، و تدحر طمعَ النفس ، و حبَها لحيازةِ كل موجود حتى لو كان الطمعُ نفسَه، فهو يتعلمُ العلومَ ليستنقذَ بها الملهوفَ، و يغيث بها الغرقى من بحورِ الشجون .

 د. خالد احمد عبدالجبار