الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

( حلب و عقيدة الصدمة )

في غرف التعذيب يتم استخدام كل أشكال التعذيب و من بينها و أشدها جرماً تسليط الصدمة الكهربائية على أدمغة المعتقلين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء من خلال محو الذاكرة و ما فيها من المعلومات و السلوكيات المكتسبة و إعادة خلقهم من جديد و هو ما يظهر جلياً من خلال نكوصهم سلوكياً ، فبعض المعتقلين بعض انتهاء الجلسات يبدأون بمص أصابعهم و التبول على أنفسهم وبعضهم يشعر بالفراغ المطلق. 
و هنا تتشابه ما تقوم به الصدمة الكهربائية في غرف التعذيب و ما يقوم به النظام في سوريا من شن حرب بلا هوادة على أهالي حلب، لتضع جميع السكان في حالة من الصدمة الجماعية، فتخدم الطلعات الجوية المكثفة بالقنابل المتساقطة و البراميل المتفجرة والعنف و التطهير الطائفي ، كلها، من أجل الوصول لأهداف متعددة منها تدمير المدينة بشكل تام رغبةً في محوها وإعادتها صفحة بيضاء أي إلى العصر الحجري و من ثم تطويع الأهالي للاستسلام و تهجيرهم و العمل على التغيير الديموغرافي المبني على الطائفية المقيتة .
و يأتي بعد ذلك دور رأسمالية الكوارث و هو المذهب الذي لا دين له في عقيدة الصدمة و ذلك من خلال ما يعرف ب " إعادة الإعمار " عبر شركات تابعة للدول العظمى و على رأسها روسيا و الولايات المتحدة كل بحسب نصيبه من الكعكة و هذا ما يفسر سكوت الضمير العالمي و صمت بوقه الذي ما أنفك يردد عبارات القلق و الاستهجان !
اضف الى ذلك توظيف الشركات الأمنية بعقود خيالية، لتفرض واقعاً جديداً من الوصاية و نهب قوت الشعب و تركيع إرادتهم .
أما بث تفاصيل الحرب بشكل مباشر عبر الـقنوات العالمية وإظهار دمار المدينة و كأنها ضربت بقنبلة نووية، فالغرض منه خلق نموذج توجيهي سلوكي لكل العالم. فالحرب نوع من الاستعراض للقوة العسكرية والتواصل الجماعي لروسيا مع العالم اجمع و رسالة من النظام السوري للمعارضين أن هذا هو مصيركم ان أصررتم على الثورة أو فكر فيه غيركم .
إلا أن هذا الصدم المفرط و الأحلام الرأسمالية المفضوحة ولّد نتيجة غير متوقعة، وهي تعزيز عزيمة الناس على المقاومة، و تجذير معرفتهم لإسباب النصر المتمثّلة بالعودة لحاضنة الدين حتى و ان كُتب عليهم التهجير فلن تُعمر الارض إلا بسواعد ابناءها. 
و بذلك نما و ينمو نمط جديد من إعادة الإعمار وهو "إعادة إعمار الشعب" لتتعطل بذلك آلية الصدم التي جاءت بها مدرسة شيكاجو على يد مؤسسها ميلتون فريدمان  و التي اثبتت التجارب ان وعي الشعوب واستمرار مقاومتها يفقد الصدمة  فعاليتها و يُعيد الأمور إلى نصابها حتى و لو بعد حين .

الأحد، 25 ديسمبر 2016

( لا تعودي )

ما كاد يبرح المقهى حيث اعتاد قراءة أحزانه و سبر ذكرياته، حتى بدأت السماء بوخز الطاف الطبيعة بماء منهمر، لا يكاد يرى كفه من تلاحم قطراته ، و اشتدت بأثقالها كما ذكرياته التي أتعبت كاهله ...
و مضى يجري متجاوزاً أرتال ما جنته جوارحه من احزان،  و استمر يهز بجنباته الى ملاذ يحميه من تراشق السماء لاوداجه، يسقط هنا و يرتمي بين القنوات متعباً هناك ، في وتيرة من العناء لا تنقطع، لان انقطاع سعيه يعني فقدان الطريق.
تنازلت الطرقات في حينها عن كل ما هو حي إلا عنه ، فهو من بين الخليقة وحيداً يترنح في أزقتها ، يزيد الرعد و يضج الكون بصولاته، و ترتعد فرائصه من لميع البرق و انعكاسه على بحيرات الماء المتراكمة بين خطواته ، و يصيح هل من مغيث ؟هل من نور ينبثق من ستار الليل البهيم فيكون فجراً يوصلني للطريق. ؟ 
لكن هيهات فما من مجيب ، إذن لا مخلوق يتهادى به ، فليكن ظلاً او واق يستتر به ، فخففَ من ركضه و أخذ يتباطأ مستنداً على سُوَرٍ لامسه بأنامله دون ان تتيقن عيناه بما أمسك ، تدارك ما بقي من قوته، علها تعينه في تجاور محنته، و بينما هو على هذا الحال من التعب و زمهرير الماء الذي يلفح جلده المتآكل من طول البلل، لمح ظلاً او ربما شبحاً او عله بقايا سراب يتهالك من وطأة زخات المطر المتواصل على الأنحاء ، اقترب منه ، و كان كلما اقترب منه انكمش الظل على نفسه و زاد سكونه، و هو عكس ما المّ به من انقباض و توجس ، و تراءى له كلما اقترب منه، انه يألف عتمة ذلك الظل ، نعم يألفه ، فصاح  نعم أنتِ !
أي دموع تلك التي انهمرت بها السماء من اجلك و أي حال أصبح مآلك ، لقد اختفيتِ زمناً ، حسبتُ ان لا لقاء سيجمعنا و لو كنت اؤمن بالرجعة لقلت أن ( امرأة العزيز ) رجعت في هيئتك بعد أن أتمت توبتها فغوتْ و عادت لمراودتي بعد ان غلّقتْ قلبي إلا لها .
ما أستطيع قوله الأن بعيداً عن الماضي و آلامه، هو ان تتبعيني لاخرجك من طيات هذه الظلمات التي تعلو بعضها بعضاً، و لكن ارجوك ما أن أصل بك الى حيث يرتاح قلبي بأمانك غادري ، نعم غادري، فولوجي في عشقك ثانية كولوج زورق في المحيط العاصف و سيكتظ عقلي بالافكار المتناسلة عن عدمية إنسانيتك مع يُتم غرامي بك، و ربما كانت سهولة مكسري هو غايتك في لقائي ثانية، فارفقي بي ارجوك و غادري ، دعيني لسلامة الروح و سكينة الفؤاد، فقد اعتدت غيابك و لا فسحة لدي للعزاء والسلوان .

(د. خالد عبدالجبار)