الجمعة، 9 يوليو 2021

"لا" لإكستازي وأخواتها

 في الرابع والعشرين من أكتوبر من عام 1995م، وقعت حادثة -عدت- سابقة في حينها، حين توفيت فتاة استرالية تدعى "آنا وود" وهي في سن الخامسة عشر بعد تعاطي قرص الهلوسة الإكستازي "المخدر" في حفلة راقصة، وكان سبب وفاتها بحسب تقرير الطب الشرعي "اعتلال الدماغ بعد تسمم حاد بالماء نتيجة تعاطي قرص الإكستازي!"

بدأت تفاصيل الواقعة قبل الوفاة بثلاثة أيام حين استأذنت "آنا" والديها للذهاب لمنزل إحدى صديقاتها لتقضي ليلتها هناك، إلا أنها قررت مسبقاً مع مجموعة من أصدقائها في المدرسة حضور حفلة رقص صاخبة في ملهى ليلي في تلكَ الليلة، وأثناء الحفلة تعاطوا أقراص الإكستازي، لتجعلهم أكثر قدرة على الاستمتاع بالرقص وسماع الموسيقى؛ غير أن تجربة مثل هذه الأقراص لها آثار خطيرة، عانت منها "آنا" أكثر من البقية نذكر منها في سياق القصة "شعورها بجفاف شديد في الفم متزامناً مع عدم قدرتها على بلع الأطعمة، وحدوث انقباضات لا إرادية متتالية في الفكين"، فقامت بشرب كميات كبيرة جداً من السوائل في وقت قصير، وهذا الاستهلاك المفرط للسوائل أدى إلى تخفيف لزوجة الدم وانخفاض مستوى الصوديوم، والذي سبب امتصاص الماء إلى داخل الخلايا وخاصة الدماغ فتورمت جراء ذلك، ملحقة تلفًا لا يمكن إصلاحه، وصاحب ذلك تعطل استجابة الجسم الطبيعية لإفراز الماء الزائد عن طريق التبول، وهذا ما يعرف "بمتلازمة فرط إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول".

وعند الساعة الخامسة فجراً ، بدأت "آنا" تشعر بتوعك، وشوهدت وهي تندفع إلى الحمام عدة مرات لتتقيأ، ما اضطر أصدقاؤها إلى أخذها لمنزل أحدهم دون طلب الإسعاف، لتزداد سوءاً وتفقد وعيها، ليُجبروا عند الساعة العاشرة صباحًا إلى إبلاغ والديها بحالتها، ويتم نقلها إلى المستشفى، واستمرت في حالة الغيبوبة حتى وافتها المنية؛ وبعد فترة الحداد، نظم والدا "آنا" حملة لمكافحة المخدرات كان عنوانها (قل لا للمخدرات)، وجعلا صورتها شارة ترويجية للحملة، كما تم تغطية قصتها وما وراءها من واقع تعاطي الأطفال والمراهقين للمخدرات في استراليا على نطاق واسع في وسائل الإعلام، ليكتب بعدها "برونوين دوناغي" كتاباً عن "آنا" كان الأكثر مبيعًا.

في حين أن الحوادث السابقة ذات الصلة بالإكستازي كانت تحظى بتغطية محدودة ويُبلغ عنها في سياق الجنح، إلا أن هيئة "آنا" كانت مختلفة عن الصورة النمطية للمدمن المتشرِد، فتعاطف معها المجتمع لتكون بذلك الطفــــلة التي "ارتبــــط بها الجميع"، وليتــم استخدام الحــــــــــادثة كتـحذير لمنـــع الحوادث المشابهة، ولاتباع نهج أكثر تشددًا في التعامل مع المخدرات في وسائل الإعلام ومن قبل المعنيين. إنّ التغطية الإعلامية لوفاة "آنا" وحملة والديها أدتا إلى زيادة الوعي حول تعاطي الأطفال واليافعين للمخدرات في استراليا، بيد أنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في حينها لم تكن كافية "بحسب رأي المراقبين"، كونها تبنت مبدأ "الحد من الضرر"، والذي يقول بشكل ما "خذ المخدر بأمان" والحقيقة تنص بأنه "لا توجد طريقة آمنة"؛ والمؤكد فقط (أننا لا تعرف ماذا سيحدث لنا عندما نتعاطى).

من المؤسف غياب مبادرات مبتكرة ومستمرة، فالمتتبع لمقولة "فقط قل لا" يرى جذورها تمتد لعام 1982م، وذلك عندما سألت تلميذة السيدة نانسي زوجة الرئيس الأميركي ريغان عما ينبغي عليها فعله إذا عُرضت عليها المخدرات، فأجابتها :"فقط قولي لا"، لتصبح شعار حملتها للتوعية بمخاطر المخدرات التي أطلقتها قبل ذلك بعامين؛ والأكثر أسفاً الجدال البيزنطي حول إضافة كلمة (لا) في حملات المكافحة، إذ أشار المنتقدون -لشعار "فقط قل لا"- إلى مخاوف جمة من تفاقم المشكلة بدلاً من حلها كونها تمنع الشباب من تلقي معلومات دقيقة حول التعامل مع المخدرات!، ويذهبون بزعمهم إلى حد مساهمتها في وصم المدمنين بالسوء.

وختاماً ماذا لدينا من أداة لفظية صريحة بديلة عن كلمة لا؟، لماذا نختبىء خلف إصبعنا الصغرى، ونردد مخاوفهم من إلحاق" لا" بالحملات التوعوية لمكافحة المخدرات!، أليس من الأجدى تطويع الكلمة لصالحنا واعتماد أساليب إضافية تقوي استخدامها، وترفع الوعي بمخاطرها، فلم يعد الطفل بمنأى عن خطر تلقي المعلومات المغلوطة عن آثارها، ولا من ضغط الأقران السلبي لتجربتها، فكيف سترفع ثقته بنفسه وتختبر رفضه لكل ما يسلخه عن قيمه، وتمكنه من إدارة مواقف الخطورة المحتملة في حياته ما لم يكن أول ما يتعلمه قول "لا"، المنافية للتردد والمقيمة لما بعدها من مهارات تحفظ له نفسه ودينه وماله؛ إنّ الأمل الذي يتراءى لنا مع انعدام أساليب واقعية لتنشئة الأبناء في ظل التحديات القائمة ومواجهة خطر المخدرات أشبه باليراع الذي يُضيءُ ذنَبُه في ليلة ظلماء فلا ينير طريقاً ولا يبدد ظلاماً.