الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

( ادمان التكنولوجيا )
قد يستنكر البعض وصف التكنولوجيا بأنها أحد مداخل الإدمان، ويصر بأن التكنولوجيا ما هي إلا أحدى مقومات التطورالعصري، فمع التطور الهائل في وسائل التكنولوجيا، والتطبيقات التي تمتلأ بها اجهزتنا الذكية مع فضاء الانترنت الواسع ، والتي بلا ريب قد وفرت جهدنا و وقتنا في تواصلنا مع الاخرين و إتمام اعمالنا و تسهيل احتياجاتنا في نواحي الحياة المختلفة فأصبح استخدامها جزء لا يتجزأ من دنيانا.
إلا انها مع ذلك كله ، قد تحولت عند البعض الى مشكلة تفرض نفسها بجلاء متمثلة  في سوء استخدامها و في احياناً كثيرة ،  ادمان ينطبق عليه المعايير المرصودة في تشخيص الادمان على المواد الادمانية ، و بالتالي يحتاج الى تقييم وقياس و من ثم وضع الحلول ، اذ ان القاعدة تقول ( انه لا يمكن إدارة شئ لا يمكن قياسه و لا يمكن قياس شي لا يمكن فهمه ) .
ما هو ادمان التكنولوجيا ؟
هو نمط إشكالي و حالة من التعلق النفسي والسلوكي بوسائل التكنولوجيا الحديثة لمستوى لا تستقيم حياة الشخص اليومية بدونها.
و خلصت دراسة امريكية حديثة أن هناك تشابه كبير للغاية بين مدمن الكمبيوتر على سبيل المثال ومدمن الخمر ووجد ان هناك تشابه كبير يصل لحد التطابق بين العمليات التي يقوم بها مخ مدمن الخمر وذاتها التي يقوم بيها مخ مدمن الكمبيوتر ومن ثم فإن مناقشة ملف ادمان التكنولوجيا ليس من سبيل الترف بل مشكلة حقيقية بحاجه لدراسة ومتابعه وعلاج.
وتتفق الكثير من الدراسات على علامات يمكن عن طريقها الاستدلال على ما إذا كان الشخص مدمناً على وسائل التكنواوجيا و الانترنت او لا، و العلامات العشر التالية تتشابه في وجودها مع علامات الادمان على المواد الادمانية المختلفة و عليها يكون القياس وفهم المشكلة  :
١- تزايد أوقات تصفح الإنترنت، فكما في حالات الإدمان على أي مادة، فإن المدمن لا يكتفي بقدر معين ويسعى إلى زيادته بعد تعود جسده عليه. وكذلك مدمن الإنترنت و الوسائل التكنولوجية يسعى دوماً إلى زيادة عدد ساعات تصفحه يومياً كي يكون راضياً.
٢- وجود علامات انسحابية ، مثل العصبية أو الانزعاج أو الحساسية من أي محفز خارجي عندما لا يكون الشخص متصلاً بالإنترنت او جاهزه مقفلاً او لا يمكنه الوصول إليه لأي سببٍ كان.
٣- فقدان السيطرة على النفس، إذ لا يستطيع الشخص السيطرة على بداية ونهاية فترة تصفح الإنترنت و متابعة حساباته في وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة.
٤- قلة التفاعل و التواصل الاجتماعي الحقيقي اثناء تواجده مع أسرته او أصدقاءه  .
٥- الآثار الصحية، مثل  قلة النوم والشحوب صباحاً وآلام في العمود الفقري و الرقبة والعينين والأعصاب.
٦- قلة الانتاجية و ما يترتب عليها من مشاكل في مكان العمل أو المدرسة.
٧- استخدام الجوال في مواقف خطرة كاثناء القيادة او السير في الأماكن العامة او عبور الطرق .
٨- رغبة قوية او إلحاح في استخدامها والتعلل بالأسباب ، عبر البحث عن حجج بشكل دائم لإهمال الواجبات المدرسية أو المنزلية من أجل الجلوس أمام الكمبيوتر وتصفح الإنترنت.
٩- هناك رغبة مستمرة أو جهود غير ناجحة لتخفيض أو ضبط استخدامها . 
١٠- انفاق المزيد من الأموال من أجل هدف وحيد هو أن يتحصل على أحدث الصيحات التكنولوجية وأيضا ليؤمن لنفسه استمرار تمتعه باستخدام التكنولوجيا على النحو الذى يرضى طموحه.

علاج ادمان التكنولوجيا:
ان علاج ادمان التكنولوجيا يتطلب الاعتراف بالمشكلة أولاً ثم طلب المساعدة و تقبل ما يتم طرحه من حلول و التسليم بها و اخيراً الإلتزام و الإنضباط الذاتي في تنفيذ خطوات العلاج المطروحة و التي تشمل تحديد المثيرات إلى تؤدي إلى سوء استخدام التكنولوجيا و إدمانها و من ثم العلاج المتمثل في شقيه المعرفي و السلوكي  :- 

١- تحديد المثيرات :- 
- كثرة استخدام التطبيقات التي يغلب عليها طابع الترفية او التواصل الاجتماعي و ما يصحب ذلك من مشاركات غير مقننة و من ثم الرصد و الترقب لعدد التفاعلات و الاعجاب من الأصدقاء و المضافين إليه لما يطرح من موضوعات،  و ما يترتب عليها لاحقاً من مشاعر الغضب لما لا يرضيه او قلق لما ينتظره او السعادة لما يشبع احتياجه النفسي و العاطفي .

- الضغوط الحياتية و جعل المتنفس الوحيد عبر الوسائل التكنولوجية من ألعاب فردية أو ما يشارك فيها الاخرين عبر الانترنت او التشتت بين مواقع التواصل الاجتماعي او المواقع المشبوهة  .

- الفراغ و الملل و هي حجة من لا حجة له للاستمرار في هدر الوقت و التسكع في فضاء الانترنت  .

٢- العلاج المعرفي :-

- القناعة بأن الحياة متسعة و لا يمكن حصرها في هاتف خلوي أو جهاز كمبيوتر.

- مقاومة آفات التفكير التي يستجيب لها الشخص بمشاعره ومن ثم أحاسيسه و التي تودي بدورها للانغماس اكثر في استخدام الوسائل التكنولوجية و منها على سبيل المثال :- 

@ ان الملجأ الوحيد لقتل الفراغ هي هذه الوسائل و لا شي غيرها  @ ان الناس جميعاً يقومون بما اقوم به .

@ لا يمكن الاستغناء عن الانترنت باي حال من الأحوال ، فجهاز الكمبيوتر او الهاتف الخلوي طيلة اليوم بدون الانترنت يصبح عديم الفائدة.

- تثبيت المبادئ لمقاومة التنافر الإدراكي ، فغالباً ما يقوم الانسان بايجاد المبررات التي تجيز له السلوكيات المنافية لمبادئه و قيمه التي تربى عليها، فكلنا يعلم ان احدى المشكلات التي يعاني منها أفراد مجتمعنا حالياً هي الادمان على بعض المواقع المشبوهة او المحرمة و هي ما تفاقم من مشكلة الادمان على الوسائل التكنولوجية.

٣- العلاج السلوكي :-

- وضع جدول يومي و لمدة اسبوع ، مدون فيه الاولويات و الانشطة التي يجب إتمامها خلال اليوم الواحد يبداً من صلاة الفجر الى وقت النوم مساءً.

- حذف التطبيقات الغير ضرورية و الألعاب التي تهدر الوقت.

- تعلم المهارات الحياتية التي تساعد على التغلب على الضغوط و إيجاد البدائل النافعة لها.

 - البحث عن تحديات تدحر الفراغ و تقتل الملل وذلك بايجاد أهداف و احلام مستقبلية يعمل على تحقيقها، لترقى به في سلم الحياة ، و تودي للإشباع الناضج و النمو النفسي، و هو خلاف المتعة و التشبع المؤقت الذي يصاحب سوء الاستخدام لوسائل التكنولوجيا او إدمانها.

-  استخدام تقنية  Time in - Time out لإتمام الاعمال التي تتطلب ذهناً صافياً أو سرعة الإنجاز و المتمثّلة بما يلي :-

@ عند وجود عمل ما يحتاج اتمامه اقل من ساعة يقفل الانترنت و احياناً الجوال اذا لم يترتب على اقفاله عواقب سيئة .

@ عند وجود عمل ما يحتاج اتمامه اكثر من ساعة يقفل الانترنت و احياناً الجوال لمدة ٥٠ دقيقة ثم يفتح الانترنت و لمدة ٢٠ دقائق لمتابعة اموره الهامة مثل الإيميلات او ردود على رسائل  قام بإرسالها و يترتب عليها جلب منفعة او درء مفسدة ثم يقفل الانترنت ثانية كما سبق شرحه و بنفس الطريقة الى ان ينهي مهامه .

- تحديد عدد مرات الدخول لوسائل التواصل الاجتماعي الى مرتين يومياً و لمدة لا تتجاوز النص ساعة في كل مرة متجاوزاً إغراءات التأرجح بينها.

 - مراجعة الخطة التي قام بتنفيذها للتغلب على مشكلة سوء الاستخدام لوسائل التكنولوجيا او إدمانها و معرفة جوانب القصور و تداركها و تجديد الالتزام بها و الانضباط الذاتي لإدائها و الذي يعرف ( بانه القدرة على القيام بالشئ الذي يجب ان يفعله في الوقت الذي يجب ان بفعله و بالطريقة الصحيحة سواء أعجبه ذلك او لم يعجبه )  

-  تطوير العلاقات الاجتماعية والعائلية حتى تكون خير عون في التخلص الناجح من ادمان التكنولوجيا.

- المشاركة في المبادرات التطوعية المجتمعية و كذلك تبني مبادرة شخصية لخدمة المجتمع و لزرع مبادئ إنسانية و قيم اخلاقية تعزز ما تربى عليه الفرد و تكون بمردود نفسي و عاطفي يرضى احتياجاته .

- الاستمرار و الثبات اليومي في تنفيذ الخطة العلاجية و لمدة لا تقل عن شهر كفيلة باْذن الله في تجاوز هذه المشكلة و اكتساب عادات إيجابية بديلة . 

د. خالد احمد عبدالجبار 

طبيب نفسي و أخصائي علاج معرفي سلوكي 

( مستشار نفسي في جمعية وياك )