الأحد، 2 أبريل 2017

 قد تكون فعلاً على حق !
كانت هناك رخامة عظيمة في حوزة مجلس الأعمال في فلورنسا؛ يبلغ ارتفاعها ثلاثة عشر قدماً ونصف القدم، وكانت منحوتة لتمثال رجلٍ لم تكتمل، وبقيت مهملة عندهم لمئة عام!! فعهدوا للفنان مايكل أنجلو أن ينحت منها عملا مفيدًا. ظل مايكل أنجلو يكدح في هذه المادة القاسية عامين ونصف؛ حتى انتزع منها بجده وبطولته رائعته، تمثال النبي (داود) وهو يحمل المِقلاع على كتفه اليسرى وبيده اليمنى الحجر؛ وبعد انتهائِه، قام مجلس الأعمال بدعوة كبار رجال الفن في فلورنسا؛ ليبدوا رأيهم في التمثال وليقرروا أين يمكن وضعه، إلا أن المفاجأة كانت في انتقاد رئيس المجلس لأنف التمثال، فعلم مايكل أنجلو أن الرجل كان ينظر من زاوية أثرت المسافة وانكسار الضوء على رؤيته منها، فطلب منه أن يغير مكانه حتى لا يتسخ بغبار الرخام، كونه سيقوم بتعديل ذلك العيب أمام الحضور بإزْميله، متظاهرًا بموافقته على رأيه، وصعد أنجلو ومعه إزْميله وحفنة من تراب الرخام، وأخذ يضرب بالإزْميل تمثيلاً، ويلقي الغبار من يده الأخرى على الأرض متظاهرًا بإصلاحِه من زاوية مُغلقة لا يرى حقيقةَ ما يقوم به أيٌ من الحضور.

فور انتهائه استدار أنجلو؛ ليمسحَ وجه التمثال وهو يقول: ما رأيك الآن يا سيدي؟! فقام الرجل ومن معه من رجال الفن بالتصفيق وأجزلوا له العطاء.

لقد صنع إزْميل (أنجلوا) صورة واحدة لداود؛ وتلاشت بقية الصور!! ونحت إزْميله أيضًا تمثالاً للمرونة النفسية؛ لتزول أمامها كل صور التصلب لأحادية الرأي، تلك المرونة التي تتراجع خطوةً لمراجعة الموقف واستقراءه لتُكْسِبَ الحق الذي لديها زخم التقدم بقية المسافة وتحظى بالسباق.

إن المرونة هي أمُ كل المهارات النفسية، فمن خلالها يستطيع المرء التعرف على الوزن النسبي لما لديه من آراءٍ وتوجهاتٍ واجتهادات، ومن خلالها أيضًا يستطيع رؤية ما يراه الآخرون من زوايا أخرى، وتمييز نقاط التلاقي إما باقتراب إحداهما أو كليهما، أو حتى تغيير زاوية الرؤية نفسها، فيُكسب الحق الذي في صفه رموزًا ما كانت لتكون عونًا له لولا المرونة وتقبل النقد ومعالجته بحسنِ التدبير.
د. خالد احمد عبدالجبار