الثلاثاء، 9 مايو 2017

( عروسُ القُرى )
في قريةٍ من قرى جزيرة العرب، وفي حقبة زمنية قريبة؛ كانت تعيش فتاةٌ عشرينيةٌ تُدعى سمية، نحيلة، خمرية، لم تكن قبيحةً، بَيْدَ أنَّ أعدَلَ الناسِ لا يستطيع أن يصنِّفها بأكثرَ من عادية. كانت إذا مشت أِحْدَوْدَبَ ظَهرُها وانحنى رأسُها، وكأنها تخشى خيالَها، وكان والِدُها قد امتلئ خوفًا من أن تبقى عزباء.

وكان من تقاليد الزواج أن يكون المهرُ من الإبل، ومقدارُ المهرِ يتوازى مع مستوى جمالِ العروس، أى أنه في مقابل ناقتين أو ثلاث يمكن الزواج بامرأةٍ تتراوح مواصفاتها بين الحسن والجمال المتوسط، وبأربع نياق أو خمس يمكن الزواج بأخرى فائقة الجمال.
وفي احد أيام مهرجان جني النخيل المقام في القرية, جاء شاب يدعى وديع من قريةٍ مجاورة، وكان من أشهر التجارِ في المنطقة.
وأثناء وجوده في المهرجان رأى سمية، رآها بارتفاعِ كتفيها وانحناءِ ذقنها ورقة جِيدِها وبريقِ عينيها؛ ما يدل على عزةِ نفسٍ ممزوجةٍ بخجلٍ وجمالٍ لم يستطع أحدٌ فهمَه وتقديرَه.
وقعت في قلبه؛ فقطع حديثه مع التاجرِ وسألَه عنها؛ فأخبرَه بأنَّها ابنةُ السيد آدم.
أرسل بديع إلى والدها يخبره بأنه قادم لخطبة ابنته؛ فاجتمع الأب بإخوته يتشاورون، فربما التبس عليه اسم الفتاة التي يريد الزواج بها، كون بديع معروف بغناه ورجولته وذكاءه وهذا كثير على سمية! فنصحوه بأنه في حال التأكد من رغبته الزواج بسمية، أن يطلب منه ثلاث من النياق ثم ليثبت على اثنتين، كونهم متأكدون من أنَّ بديعَ سيقدم ناقةً وَاحِدَة.
جاء بديع إلى منزل آدم في موعده وقال: يا أبا سمية! إني أتقدم لخِطبة ابنتك ومهرُها عَشْرُ نياق.
تفاجأ الحضور، إذ لم يُدفع مهرٌ بهذه القيمة قَط! فتزوجها وعادَ بها الى قريته. بعد فترةٍ جاءَ لزيارتِه أخوه الذي غادرَ منذ زمن، بعدما وصله ما يتناقَلَه الناسُ الذين ما انفكوا يتسائلون عن سببِ المهر الذي دُفِعَ!
جلس الأخوان بعد لقائِهما في الفناء؛ حيث كانت سميةُ تقومُ بسقي الزهور، فرآها أخوه وهي تدخل المنزل، وعند البابِ وقفتْ تبتسِمُ لزوجِها ثم دخلت مسرعة.
التفتَ إليّه بديع وهمسَ: هل تستحِق العشر نياق؟
أجابه: إنها رائعة. غير أنها ليست سمية التي يتحدث عنها الناس!
قال: ثمة سمية واحدة. قد لا تبدو كما وصفوها.
أجاب أخوه: سمعت أنها كانت عادية فكيف لها أن تكون مختلفةً إلى هذا الحد؟
سأله بديع : هل تبادرَ إلى ذِهْنِكَ ماذا يعني أن تدرك امرأةٌ أن زوجَها أبخَسَ مهرها؟! إن النساءَ هنا عندما يتحدثن؛ فإنهن يُفاخِرْنَ بما دفعَه أزواجُهن مهرًا لهُنّ. 
فتقول إحداهن: مهري أربع نياق وأخرى تقول: خمساً. عندها كيف سيكونُ شعورُ المرأةِ التي كانَ مهرُها ناقةً واحدةً أو اثنتين؟! إن هذا الشعور لا يمكن أن أُسَبِبَه لِسُمية.
قَال: إذن أنت فعلت هذا فقط لتسعدها؟!
قال: نعم، غير أني أردت أكثر من ذلك، أردتُها أن تسعدَ لأسعدَ أنا، فبث القيمة في ذاتها يمكن أن يصنع منها عظيمةً فاضلةً في داخلها, فتطرأ عليها فتنةٌ آخذةٌ في مَظهَرِها، إن الأهم هو ما يفكر فيه المرءُ حولَ نفسه. لقد اعتقدَتْ سميةُ في قريتها أنها لا تساوي شيئًا. والآن هي تعرف أنها تساوي أكثرَ من أي امرأة أخرى.
قال أخوه: إذًا كنت تريد ...
قاطعه: كنتُ أريدُ أن أتزوجَ امرأةً تعرِفُ قيمتَها؛ فَتُسْعِدُني.
قال أخوه: ولكن ...
قاطعَه وختمَ بلُطْفٍ قائلاً: كنت أريدُ زوجةً تَزِنُ ذهبًا، وليس ما تعارفَ عليه الناس.