الجمعة، 28 أكتوبر 2016

( في أمان الله يا حبيبتي )
كطفل تأبط كتابه ليلحق بأستاذه، وجلاً من سؤالِه لما تأخرت ، فيدلف إليه من وراءه، و آونة يأتيه من جانبه خوفاً من مواجهته، يقصرُ همهُ على إرضائه، و يكدُ ذهنهُ في إحداثِ شاغلٍ يلهيه عنه موقتاً، إلى أن يستجمعَ قواه، و يربطَ فؤاده برباطةٍ جأشٍ تعينه على تخطي معضلة اللقاء .
ذاك حاله عندما يغيب عنها فيزداد شوقاً لها ، فراقٌ باختاره ، لكن بدون موافقة منها ، فتبحثُ عنه بغضبِها ، ثم يتحين فرصة ليقطع ضجيج مأخذها عليه ، و يستدرجُ عطفها لتسمعَ انينَ كلماتِ وداعه الجديد.

هي أمي من أثقلتُ عليها بكثرةِ الترحال و طول الغربة و تفطير الفؤاد بالبعد و الأسفار ، هي أمي التي ما شبعت مني و لا شبعت منها، هي أمي التي ما ارتوتْ من يوم اشتدَ عودي إلا من ينابيع الفراق بلسان يلهج بحمد الله على ألمِ الوداع .     

التقينا لاحقاً على مائدة بَارَكْت يداها كل ما فيها ، إلا أني أطرقتُ وجوماً أبحثُ فيه عن كلماتِ عزاء لسفري القريب ، و الذي سيكون بعد يومين .... قلت أمي ، قالت لبى قلبك ..
هنا ازددتُ خرساً و إطراقاً 
فقالت :- بني أني لأسمع نواحَ صمتك حينما يقترب رحيلك، و ازداد يقيناً بساعته ، مع طأطأةِ رأسك و تأتأة كلماتك و رقرقة عينيك كلما رأيتني.
لكن لا عليك بني ، سأصبر و اتصابر و ستعود يوماً لألقاك و لن تغادرني . 
و مضتْ اليومان و جاءت ساعةُ الرحيل ، و قالت و هي تودعني :- 
إياك يا بني أن تكونَ ذلك المغامر الطامع او ذلك القانع الرابض
فان أعطتك المغامرةُ كشفاً ، كان الطمعُ سبباً في ضياعِه 
و ان أعطتك القناعة ُ ذهباً ، ذهب السكون بفائدتِه 
و اعرف وجهتك يا بني ، فمن لا يعرف الى أين يتجه ، تصل به خطواته إلى ما لا يجب أن يكون !

د. خالد احمد عبدالجبار 

الاثنين، 10 أكتوبر 2016

( الأسباب النفسية التي تدفع بالأفراد إلى ترويج الشائعات او تلقيها )

هناك مقولة تقول أن الإشاعة يؤلفها الحاقد وينشرها الأحمق ويصدقها الغبي . وتُعد الشائعة المغرضة من أخطر أدوات الحرب النفسية، وهي تستمد أهميتها كوسيلة من وسائل الحرب النفسية، من الاعتقاد السائد دائمًا بأن الشائعة لها نصيب من الصحة .
والهدف الأساسي من الشائعة هو هدف شخصي، نفعي وآني، بهدف:
١- وضع الطرف الاخر  في حالة نفسية متدنية.
٢- التأثير على نمط العلاقات بين الناس وتعكير الأجواء كبيئة العمل إلى درجة مخيفة.


 أن الخطورة مع استمرار تداول شائعة لمدة من الزمن ان تصبح هي الحقيقة بعينها، تحت مسمى ( اكذب اكذب حتى يصدقك الناس )، حتى في غياب الدليل، وفي الغالب تكون في هذه الحالة بدافع الانتقام أو الحسد أو الكسب المادي للشخص أو الأشخاص الذين يروجونها، لذلك أجمع علماء النفس أن الإشاعة هي إحدى الأسلحة الهجومية التي تتمتع بها الشخصية البشرية. وهناك من يرى أنها وسيلة هجومية دفاعية ، وتختلف شدتها وتأثيرها باختلاف الطبع و والذكاء والإبداع.

و يرى الباحثون بانه لا يمكن عزل الشائعات عن شخصية مروجها ومتلقيها، وعن سمات الشخصية في جانبها النفسي والاجتماعي.
لذلك عند مواجهتنا لهذه الظاهرة  وانتشارها، لا يمكن التغاضي عن دراسة السمات الشخصية ودورها في قبول الشائعات والتعامل معها أو رفضها.

و قد اشارت كثير من الدراسات أن هناك ارتباط وثيق بين مروج الشائعة و اضطراب الشخصية الذي يطلق عليه الشخصية المضادة للمجتمع ( سيكوباثي ) و هو شخص يثير البلبلة لإلحاق الضرر بمن حوله عن عمد.
والسيكوباثية تصيب الجانب الخلقي في الشخصية، دون أن تصيب القدارت العقلية ، وبعض سمات السيكوباثي و التي تتسبب في ترويج الشائعات نذكر منها التالي :-
-  الاندفاع و العدوانية
-  يتصف بالقسوة و لا يردعه العقاب
-  لا يشعر بالوفاء والولاء لأي فرد أو جماعة
-  لديه قدرة فائقة على تبرير سلوكه ليبدو مقبولاً ومعقولاً.
 -  ويتمتع بأنانية مفرطة، وطموح لا توقفه القيم والعقبات والصداقات
- لا يحترم أي عاطفة، و قد يصبح متبلد المشاعر و لا يبالي بآلام الآخرين
-  و قد يبدو عليه ايضاً الصدق والأمانة لذلك يمكن أن يخدع الآخرين .
-  ولا يشعر بالقلق ازاء ذلك ، بل يشعر بالراحة والاسترخاء.
- ليس لديه شعور بالمسؤولية، بل لا يتحمل المسؤولية.
- لا يشعر بالخجل أو العار في المواقف المخجلة.
- لا يقول الصدق، ولا يكترث لو اكتشف أمر كذبه.
- لا يتمتع بضمير حي في الغالب و يفتقد للشعور بتأنيب الضمير

و من علماء النفس من يرى ان مروج الشائعات ذو شخصية انبساطية ،  مما يجعله في حالة جوع مستمر للاستثارة، و هذا ما يجده من خلال ترويج الشائعات . الا ان الامر لا يخلو من وجود اضطراب في الشخصية يساعد على اختلاق الشائعات و ترويجها.

اما متلقي الشائعات فيتميز بضعف الثقة بالنفس، و بشخصية سلبية و قلقة ، و معتمد على الآخرين،  الأمر الذي ينعكس سلباً على توافقه النفسي والاجتماعي والمهني.
و يتصف ايضاً بمسايرة للآخرين و المسايرة في تعريفها عملية نفسية يجاري فيها الفرد أقرانه و أصدقاءه خوفاً من أن يصبح منبوذًا وحيداً. و من السهولة بمكان أن يؤثر فيه الأصدقاء و الأقران و الآخرون من حوله و هو بذلك يخضع لضغوط الجماعة و يتصف بالفضول والتصديق والميل إلى التجريب، فالإشاعة قد تحقق له الشعور باللذة و الثقة الزائفة بالنفس .

 في حين يرى فريق آخر أن الإنسان تشكله البيئة، لأنه أبن بيئته ومجتمعه، وهذا يعني أثر البيئة المادية والاجتماعية على سلوك الفرد من خلال دور الأسرة والمدرسة والمجتمع، و تفاعل ذلك كله مع ما يحمله من جينات وخصائص .