الأربعاء، 1 أغسطس 2018

( صحوة الحب )

لو أن الجنّة خُلقتْ إمتاعًا في صورتك فأهواك لكفتني، فترد عليه عاشقةً: وأنتَ مني كما أنا منك؛ ترنيمات ملأت سماءَ غربتهما يوم أن غادرا سويًا في رحلته الدراسية؛ حتى لكأنما كاد كأس حبهما أن يمتلأ ثم يفيض وينسكب
عادا للديار بشهادة التفوق الدراسي وشهادة ميلاد ابنتهما الفاتنة ميار ،ثم جاءت ضروب الحياة مزلزلة ليبغضها وتبغضه، وانسلتْ أيامُ ذلك الحب الفياض وانطوى بغروب شمسهما في غربة الأمس ليعيشا غربة سوداء بقية العمر
كانت قصة حبهما سببًا في مكيدة فرقت شملهما، فهو من بين أخوة غلبت على طباعهم شيمٌ تمقتها النساء من قلة عاطفة وإظهار للحب واحتواء للزوجة، ولّدت لدى زوجاتهم حسدًا لها، زِد عليه رغبة والديه باحتكار ذلك الابن الذي شط في غرامه بزوجته وحان له الرجوع لبوتقة الرجولة وتفضيل والديه وإخوته على من خطفت ابنهم خلال سنوات الغربة.
تسارعت الأحداثُ فأوغل منها وأصبحَ فكره مرتعاً للظنون والشكوك خاصة حينما قالت زوجةُ أخيه الأكبر إنها لمحتْ رجلاً في صباحِ أحد الأيام يصعد لشقته في غيابه فكانت بدايةُ النهايةِ لقصةِ حب كان من الممكن أن تكون أبدية.
تفرقا وغادر وطنه الذي اغترب فيه ودفن حبه في ترابه، أما ابنته فقد تنازل طوعاً لتعيش مع أمها، إذ أن الشبه الذي بينهما سيشكل له عذاباً بتوارد الذكريات، ويوم صدور حكم الطلاق قال كلمةً ضجتْ لها نفوس من حضروا المحكمة: إن حُرمتُ منها فلن يكون ذلك حال ابنتي.قراراً اتخذه مهما كانت ظروفها مستقبلاً.
مضت خمسُ سنين كان يطمئنُ خلالها على ابنته بين وقت وآخر حين يأتي في زيارة لوالديه في إجازته، وفي سنينه تلك لم يتزوج بينما تزوجت هي، فقضى بكاءً على حبٍ فقده مرّتين.
وبينما كان في عمله يوماً، جاءه اتصالٌ يخبره بأن زوجة أخيه مريضة وترغب في مقابلته والحديث إليه؛ إصرارها أجج فضولاً في ذاكرته فهي من اتهمتْ زوجته وكانت سببًا مباشرًا في طلاقهما.
قابلها في غرفتها بالمستشفى فإذا هي كاسفةٌ قد تغير لونُها، وظهر الانكسارُ في وجهها، وكأنما سِيقت للموت بخطيئةٍ ومرض، فاستجمعتْ قواها ولفظتْ اعترافها الذي أرّق ضميرها سنينًا فأعياها؛ أخي لقد كانت زوجتك رمزًا للوفاء الذي لا تلحقه شبهة، وأنا بالحسد نارٌ أكلت بعضها.
تحدثتْ كثيرًا لكنه لم يجب وغادر مكلومًا، فما يفيد الاعتراف؟ أمرك إلى الله يعاملك بما أنت أهله.
أراد أن يرى طليقته ولتعتذر عيناه عمّ يعجز لسانُه، وادعى طلبًا أنه يريد حضانة ابنته، فاضطرت مع زوجها أن تجتمع به لترى طريقاً يقنعه بالعدول عن ذلك، وكان اللقاءُ في بيت خالها الذي تجمعهما صداقةٌ قديمة، وهناك رآها كما عهدها باسمة أبداً، تحدثوا جميعًا إلا هُو، وكأنه لا يسمع ولا يبصر سواها؛ وفي آخرِ اللقاء تظاهر بالموافقة على بقائها مع أمها؛ لكم تمنى طويلاً ان يقبل رأسها اعتذاراً، وهمٌ استعاض عنه بقوله سامحيني امام الجميع ثم استأذن مغادراً، أطبق على المكان صمتٌ رهيب تحرك على أثر ذلك زوجها إليه وودعه مبتسماً ولسان حاله يقول أشكر لك أن طلقتها لأكون زوجًا لها.
انتهى كل شئ وعاد كلٌ لحياته، وبعد هذا اللقاء بشهرين تلقى مكالمةً تخبره بأن زوجَ طليقته توفى في حادث مروري؛ جلس متثاقلاً، فالأحداث تضارع الخيال في سردها، فعندما تلتاثُ الحياة الزوجية بالشك وسوء الظن  تخبو جذوة الحب ويكون الفراق حتماً؛ واليوم عادت كل تلك الذكريات جراحاً لحاضره، وفي ذات الوقت استضأت عيناه بأملِ لقاءٍ قريب في حال استجابت حسناءه
لصحوة الحب


د. خالد احمد عبدالجبار