الأحد، 26 يونيو 2016

(الامراض النفسية و رخصة الافطار)

يملك الناس في العموم معرفة محدودة بالامراض النفسية ، لذلك ما إن يروا شخصاً بالغاً يُفطر في رمضان حتى يتسابقون بالقفز بالأحكام و ينتابهم الاشمئزار من إفطاره ، و إذا قيل لهم بأنه مريض نفسي و له رخصة الافطار ، نتيجة وضعه الصحي و ما يتناوله من أدوية ،  فإنهم و بجهل منهم قد يستنكرون ذلك ، و ربما نصحوا المريض بأنه لو صام لربما كان ذلك سبباً في شفائه ، كون الاعتقاد الراسخ عند عامة الناس، يوثق الصِّلة بين ضعف الإيمان و قلة الوازع الديني و حدوث الأمراض النفسية، إلا أن حقيقة الأمر تكمن فيّ أن هناك أسباب مختلفة وراء ظهور الأمراض النفسية و تفاقمها ومنْهَا الوراثية والاجتماعية و العقلية و العضوية،  أو ربما مصاحبة للامراض العضوية في حالات مختلفة ، و قد تكون أشد وطأةً من المرض العضوي في أحيان كثيرة ، لذلك يجب على الإنسان ألا يتحدّث إلا عن علم ومعرفة ، فبعض النصائح ممن يجهلون الأمراض أياَ كانت هذه الأمراض قد تقود إلى التهلكة ، ناهيك عن المرض النفسي ووطأته . و بذلك يقع المريض بين مطرقة المرض النفسي و معاناته و سندان الوصمة و جهل المجتمع، فيصبح ضحية المشقة و خطورة الإتيان بالصيام والتي قد تكون كارثية، في حين أن أعلى مقاصد الإسلام و سماحته، تتمثل جلية في حفظ النفس ، كواحدة من الضرورات الخمس في التشريع الإسلامي ، وهي حفظ "الدين، النفس، العقل، المال، والنسل". لذلك رخص الله تعالى للمريض الإفطار
في رمضان تخفيفاً و رحمة به و جعل الإتيان بهذه الرخصة من أسباب محبته لعبده كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
 ( إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه) .

وهنا تكمن الحاجة إلى تضافر الجهود، من قبل الجهات ذات الاختصاص ، و المقدمة للخدمات الصحية النفسية، سواء كانت حكومية أو خاصة ، أو جمعيات مجتمعية خيرية متخصصة، لوضع برامج استثنائية ،تسبق المواسم الدينية ، و تتواكب مع أيامها ، و تمس الاحتياج الفعلي للمرضى النفسيين ، بحيثيات مدروسة ، تراعي التزامه، و نيته و حرجه من طرح أسئلة مرتبطة بمرضه و برخصة الإفطار، فيتردد في مُناقشة هذا الموضوع، و هنا يتوجب  على الطبيب المعالج مناقشة مريضه من خلال التركيز على الضرورة الطبية و سماحة الإسلام في هذا السياق ، و التي بدورها ستساعد على تهدئة شعوره الطبيعي بالذنب و الذي قد ينتج من إفطاره و بالتالي ستعزز العلاقة العلاجية بينهما.

فالحقيقة التي يعلمها الأطباء و الباحثون هي وجود مخاوف سريرية لبعض الامراض النفسية التي قد تنجم عن الصيام ، نتيجة عدم تناول كميات كافية من الماء،  و خاصة مع تناول بعض الأدوية مثل الليثيوم، و الذي يُستخدم كمُثبت للمزاج، للمرضى الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب،  لأن الجفاف الذي يسببه الليثيوم  قد يسفر عن مشاكل في الجهاز البولي تصل إلى الفشل الكلوي الحاد و خاصة لكبار السن و مرضى السكر .
و ايضاً انخفاض الترشيح الكلوي لليثيوم ، قد يزيد من مستوى هذا العلاج في الدم ، و قد يكون ضاراً على الجسم، و نخص  بالذكر هنا الغدة الدرقية ،حيث يُحدث اضطراباً في عمل الغدة الدرقية ، مما يُسبّب نقصاُ في إفراز مادة الثيروكسين، وهي مادة ضرورية لعملية الأيض في الجسم.
و في إحدى الدراسات الحديثة، تم تسجيل نسبة عالية من الانتكاسة، لاضطراب ثنائي القطب وصلت ل (45٪)،  وظهرت الانتكاسة ك نوبات هوس أو اكتئاب ، خلال شهر رمضان، على الرغم من مستويات الليثيوم المستقرة.

و لذلك أدرجت بعض المقترحات و التي من الممكن العمل بها للوصول بالخدمات النفسية لمستوى يزيل العبثية و التشتت و يوحد الجهود لتخفيف معاناة مرضانا و ذلك بمشاركة الجهات الحكومية و الخاصة أو الجمعيات المجتمعية الخيريّة :-
١- تنظيم ندوات و محاضرات وورش عمل تجمع المرضى و ذويهم  بفريق معالج متعدد التخصصات يتم ترشيحه من ادارة المستشفى بناءا على معرفة مسبقة بالحالات (تقييماً و خطةً) مكون من استشاري طب نفسي- أخصائي نفسي- أخصائي اجتماعي بمعيّة مفتي ترشحه وزارة الأوقاف ليستمع للاستفسارات ورأي الفريق المعالج و من ثم يجيب على التساؤلات المطروحة بما يراه مناسباً .
٢- استضافة المختصين في وسائل الاعلام المرئية و المسموعة و المقروءة  لتناول خصوصية رمضان و الامراض النفسية .

٣- تقديم برنامج إذاعي خلال شهر رمضان الكريم  يجمع استشاري طب نفسي و مفتي من وزارة الأوقاف لمناقشة الاضطرابات النفسية و رخصة الافطار، بناءً على ما يتم عرضه من سيناريوهات تحاكي واقع المرضى او تساؤلاتهم،  و خلال الحلقة يتم استقبال مكالمات على الهواء من المستمعين و يتم الإجابة عليها برأي طبي و ديني متبوعة بالنصائح و التوجيهات
٤- تأليف فقرات تمثيلية قصيرة ، لبعض الأمراض النفسية الشديدة، لتعرض في الفواصل الإعلانية و تتكرر في أوقات مختلفة خلال أيام رمضان و لياليه، توضح للمرضى كيفية طلب المساعدة ، واُخرى توضح مبادرة الطبيب أو مقدم الخدمة في تقديم النصح و الإرشاد للمرضى ضمن إطار هدفه توثيق العلاقة العلاجية بين جميع الأطراف .
٥ - تأليف مقاطع تمثيلية أخرى، تستهدف أفراد المجتمع ، تسعى اتخفيف ضغط المجتمع ، و تقليل وصمة العار، والتروي في إصدار الأحكام والقفز للنتائج ، في حال مشاهدة من يفطر من البالغين في نهار رمضان  .
٦- الانطلاق بحملة قبل رمضان و خلال أيامه المباركة تهدف لنشر الوعي حول سماحة الاسلام و ترفع الضغط المجتمعي عن المرضى لأخذ رخصة الافطار التي تصدق الله بها على عباده.
٧- تمكين أكبر للجمعيات الموجودة مثل جمعية وياك ( جمعية أصدقاء الصحة النفسية) و التي تعمل بجهد ملحوظ و أنشطة متنوعة و تقوم بدور مجتمعي مميز لمتلقي الخدمة و لمقدميها من الاخصائيين و الممارسين على كافة الاصعدة .
٨- تشجيع تأسيس جمعيات مجتمعية خيرية متخصصة للتعريف باضطرابات نفسية بالاسم مثل ( الفصام، الاضطراب ثنائي القطب .. الخ) أسوة بجمعيات أخرى ناجحة تخدم اضطرابات نفسية مثل التوحد ، لتعمل على برامج مستديمة ، و أخرى استثنائية موسمية ، كخصوصية الشهر الكريم و الامراض النفسية ، و تقوم بعمل عضويات لطلبة الكليات الطبية و الصحية و أطباء الامتياز و المقيمين تحت إشراف نخبة من الاستشاريين و الاخصائيين و كذلك لجهات و أفراد من شرائح مختلفة في المجتمع و هنا سيتم توزيع المسوؤلية المجتمعية على الجميع و سيكون إثراءً للخدمات الصحية التثقيفية و العمل ضمن مفهوم الوقاية خير من العلاج  .
٩- تأليف الكتب و طباعة المطويات المتعلقة بخصوصية رمضان و الامراض النفسية ، مرفق معها الفتاوى المتعلقة برخصة الافطار، رداً على استفسارات يتم جمعها لتلامس الواقع و الاحتياج .
١٠- تأسيس و تكثيف خطوط الخدمة النفسية الساخنة (الطارئة).
للإجابة على الاستفسارات المتوقعة،  قبل و أثناء مواسم العبادات المختلفة و من ضمنها شهر رمضان المبارك .

و ختاماً، يبقى أن نقول أن المسؤولية المجتمعية واجب على كل مؤسسة و كل فرد قادر و مستطيع لإكمال الحلقات الخدمية التي تقدم للمجتمع ضمن إطار تحكمه استراتيجيات واضحة ترقى بالخدمات الطبية المقدمة .

الثلاثاء، 14 يونيو 2016

(رمضان و الأمراض النفسية)

عندما يأتي شهر رمضان المبارك ، تكثر الأسئلة حول تناول الأدوية في هذا الشهر الكريم ، و من بينها الأدوية النفسية ، حيث يواجه المصابون بالأمراض النفسية المزمنة ، بعض المشكلات خلال شهر رمضان ،  فتتولد لديهم و لذويهم استفسارات حول تناول أدويتهم،  و النصائح و الإرشادات التي تساعد على استقرار حالتهم، مع ظروف الصيام و اختلاف أوقات النوم والاستيقاظ و مواعيد الأكل ، لذلك سوف نوضح هنا، ما يمكن تكييفه من الأدوية، و نذكر بعض التعليمات المتناسبة، مع التغيرات الزمنية في شهر رمضان المبارك، حتى يتمكن المريض من الصيام، بما لا يتعارض مع أخذ الأدوية، و بما يضمن دوام الاستقرار لحالته .
إن من أكثر الأدوية الشائع أستخدامها بين المرضى النفسيين هي الأدوية المضادة للاكتئاب، و كما هو معلوم فان هذه الأدوية تستخدم لعلاج حالات مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، الاكتئاب و القلق و الوسواس القهري  و الرهاب  .
فإن كانت هذه الأدوية تؤخذ مساءً خلال الأيام العادية، فانها لا تصلُح أن تؤخذ في مساء رمضان مبكراً ، لأن مثل هذه الأدوية قد تُسبّب النعُاس  في بداية المساء و قد تقلل من ردود أفعال المريض ، وهذا أمر قد لا يكون مُستحباً بالنسبة للمريض ، في شهر رمضان ،كونها قد تتعارض مع عمله او صلاته او مشاركاته الاجتماعية او حتى قيادته للسيارة ، لذلك يجب أن يُؤَخَّر أخذ هذه الأدوية التي تُسبّب النُعاس إلى وقتٍ متأخر أي بعد السحور و قبل صلاة الفجر، و هناك ايضاً، أدوية مضادة للاكتئاب ،تُنشّط المريض ،لذلك يجب أخذها بعد الفطور مباشرةَ، حتى لا تقود إلى الأرق و تُحدث أضطراباً في النوم.
و هذا الحال ينطبق على البعض من هذه الأدوية، والتي تسبب جفاف في الحلق وهذا يؤدي إلى صعوبة في الصيام بسبب الجفاف الشديد الذي تسببه ، لذلك يفضّل اخذها بعد الإفطار أو أستبدالها بأخرى بحسب ما يراه الطبيب المعالج .
اما بالنسبة للادوية التي يتم تناولها مرتين يومياً ، فتكون الجرعة الأولى عند الإفطار ، والثانية عند السحور ، بشرط مراعاة الآثار  الجانبية ، التي قد تؤثر على أداء المريض ،خلال يومه و ليلته، أو أستبدالها بأدوية طويلة المفعول (24 ساعة )

و عندما نتحدث عن الأمراض النفسية الشديدة ، مثل حالات  الذهان و الفصام و الاضطراب الوجداني ، وأخرى غيرها ، فإنها تحتاج لرعاية أسرية مكثفة، لمتابعة المريض في اخذه الدواء بانتظام، و كذلك مرافقته لمراجعة العيادة لتجديد العلاج، و عمل الفحوصات الدورية، كما هو الحال مع مثبتات المزاج ،و ايضاً لمراجعة الخطة العلاجية للمريض ، و خضوعه للجلسات الفردية او الجماعية  في زياراته المنتظمة . و التي يحتاجها لتعلم المهارات التي تساعده في التخفيف من وطأة المرض و مواجهة  ضغوط الحياة  و تحسين جودة حياتهم.
فهنا يتوجب على المرضى و ذويهم أخذ الحيطة و الحذر لضمان استقرار حالته النفسية و استمرار تعافيه، وذلك بزيارة الطبيب قبل رمضان او في بداية أيامه  ، للتشاور معه و أخذ التعليمات المناسبة في تناول الأدوية خلال ايام رمضان المبارك و التي قد تستبدل بإبر طويلة المفعول تاخذ كل اسبوعين او أربعة أسابيع، او ربما حلول اخرى ،تتناسب مع حالة المريض ،و رغبته في الصيام ، و ايضاً أخذ الامر مأخذ الجد، فيما يخص إعطاء الإهتمام المطلوب لمرضاهم، و استغلال رمضان بروحانيته، و اجتماعاته الاسرية ،في دمج المريض مع من حوله، بما يتناسب مع قدرته و دافعيته لذلك.
 لقد اثبتت بعض الدراسات، الذي تناولت هذا الموضوع ،ارتفاع حالات الانتكاسة ،في بعض هذه الأمراض ،و نذكر هنا تحديداً دراسة مغربية (قادري ٢٠٠٠) و التي اجريت على بعض مرضى الذهان الدوري حيث اثبتت ان  ٥٠٪ ممن خضعوا لهذه الدارسة انتكسوا في رمضان ، و البقية زاد عندهم الأرق و القلق، و يعتقد الباحثون أن سبب ذلك، قد يكون التغير المفاجئ ،في نظام النوم و الاستيقاظ و مواعيد الأكل.
إلا أن ما يضيف بعداً آخر لتفسير سبب الانتكاسة لحالات نفسية كثيرة، هو انشغال أسر المرضى في رمضان (في الزيارات و المشاركات الاجتماعية او استقبال الضيوف و اداء العبادات المختلفة من صلاة و اداء عمرة او اعتكاف ) عن متابعة مرضاهم في أخذهم لأدويتهم، كما كانوا معتادين قبل رمضان، او عدم التأكد من وفرة الأدوية لديهم ،و أحياناً أخرى إغفال موعد المتابعة لعيادة الأمراض النفسية، لتجديد العلاج او التشاور مع الطبيب المعالج فيما يخص تناول الأدوية في رمضان ، و لا ننسى جهل بعض الأُسر بطبيعة الأمراض النفسية مثل الفصام ،فيجبرون مرضاهم على الصيام و الصلاة و الاختلاط بالناس و استقبالهم، و هؤلاء المرضى  يجدون صعوبة في اداء العبادات و كذلك عدم قدرة الكثير منهم التخلي عن عاداته مثل التدخين و شرب المنبهات.
و بعض الأسر على العكس من ذلك يخرجون في مناسبات اجتماعية تاركين مراضهم وحيدين في المنزل لأسباب مختلفة مما يزيد في عزلتهم.
و مما يؤلم اكثر حدوث حالات يرغب فيها أهل المريض إدخاله المستشفي ، ليرتاحوا من عناء رعايته في هذا الشهر ،خاصة لو تزامن ذلك مع اجازة بعضهم ، ممن أراد حزم امتعته للسفر، فيقوم بادخال المريض المستشفى ، باعراض اقل ما يقال عنها أنها مبالغٌ فيها أو ملفقة.
لذلك فان التثقيف الاسري و المجتمعي، بطبيعة الأمراض النفسية، و خصوصية رمضان مع المرضى النفسيين ، حاجة ملحة لجعل رمضان فرصة، لدمج هؤلاء المرضى مع اسرهم و مجتمعهم المحيط، بأساليب علاجية، يمكن تقنينها و تقديمها ،ضمن خطة استثنائية، تخدم المريض و تعزز علاقته بأسرته، خلال ايام هذا الشهر الكريِّم.
و ختاماً نذكر بإن من أزكى الأعمال، و أحبها عند الله تعالى ، وأعلاها شرفاً، وأكرمها مروءة ، الإحسانَ إلى المريض و مرافقته والقيامَ على رعايته والعناية به، فهنيئاً لمن وفقه الله تعالى لذلك ، فبذل وقته وجهده ،و احتسب الاجر و عظيم الثواب، من رب الله و السموات .
د . خالد احمد عبدالجبار

الجمعة، 3 يونيو 2016

رمضان يرتقي بالأرواح
ياتي رمضان للمسلمين بما يحمله من خصوصية معاني ، تتأرجح بين صور في الذاكرة و اخرى مُنتظرة ، تجمع الفرد بما يأمل من نفحاته و ما يرجوه من فرص تغييرٍ يراها مؤاتية في طياته ، فهو بعقله الجمعي كمسلم يسعى لتحقيق الإيجابية بما تحمل أيامه و لياليه من عادات وتقاليد وعبادات.
إن الآثار الإيجابية لرمضان تتوالى تباعاً على المسلم بتسلسل يتوافق مع نموذج المحاور الستة المكونة لحياة الانسان
 ( روحاني- اخلاقي - اجتماعي - نفسي - عقلي - جسدي ) فمن المعلوم جزماً تأثير رمضان الكريم على الارتقاء الروحاني الذي يتجاوز مرحلة الإمتناع المجرد عن المأكل و المشرب و ظهور اثر ذلك على علاقته بغيره عائلياً و اجتماعياً من خلال ما يبديه من تسامح و عفو و فضائل اخلاق و بذل و سخاء يرتجي بها حسن الثواب و تمام الاجر ، و هو ما ينعكس بأبعاده النفسيه عليه من طمأنينة و انشراح و سعادة ظاهرة على محياه ، فيرفع من كفاءة وظائفه العقلية من خلال اعادة التوازن بين النواقل العصبية المختلفة و منظومة الغدد في جسمه،  و هذا يتوافق ضمناً مع ما نصت عليه منظمة الصحة العالمية في تعريفها لمفهوم الصحة النفسية المتمثلة في رفاهية الفرد و طمأنينته الناتجة من توازن المكونات الستة لحياته، و التي تساعده  على إدراك إمكانياته والتعامل مع ضغوط الحياة العادية و القدرة على الإنتاج ومساعدة المجتمع.
كما ان الإنشغال بالعبادات من صلاة تراويح وقيام ليل، يزيد من حركة الجسم و ليونته ويزيل عنه الخمول ، ويدعم  صورة الجسد الإيجابية , وقد جاء ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول  قيام الليل فقال: عليكم بقيام الليل فانه دأب الصالحين قبلكم و قربة إلى الله عز و جل و منهاة عن الإثم و تكفيراً للسيئات و مطردة للداء من الجسد)
و أما فيما يتصل بالدوائر الخمسة  المكونة للمدرسة المعرفية السلوكية و التي تشكل العادات و الطبائع ، و المتضمنة في ترتيبها( المثير و المعرفة والمشاعر و الإحساس الجسدي و اخيراً السلوك ) فرمضان تطبيق عملي لهذه النظرية .
إذ ان البرمجة المعرفية في تفسير المثيرات و العيش مع الأحداث  تحدد الكثير من استجابتنا العاطفية فينعكس بدوره على انفعالاتنا و سلوكياتنا.
إن الصوم يمنح المسلم فرصة تدريب عظيمة على التحكم في المدخلات والمثيرات العصبية مع القدرة على البرمجة المعرفية السليمة لها و بالتالي  ضبط المشاعر الناتجة عنها و خفض المؤثر الحسي ومنعه من مراكز الانفعال بالمخ، مما يفضي الى سلوكيات محمودة، بالإضافة إلى أن الالتزام الذي يعقده المسلم مع نفسه بإظهار النية و تلفظها ، مصحوبة ً بالضبط الذاتي معرفياً ونفسياً وسلوكياً ، هي ما تنشده كثير من طرق العلاج النفسي.
فمن يرى أن الجانب الروحي هو الهدف الرئيسي  في العلاقة مع رمضان، فان ذلك يزيد في إيمانه وتهذيب سلوكه ، فينجح في السيطرة على شهواته وتجديد علاقاته، و يتفوق مبادراً في برمجة  يومه و نومه واستيقاظه ، فيصبح رمضان شهر تجديد وتغيير و اكتساب عادات  إيجابية .
أما إذا حدد الشخص هدفه معرفياً، بالتركيز على المأكل والمشرب وطقوس الولائم، مؤكداً معنى الحديث ( بأنه ليس لنا من الدنيا إلا مأكلنا ومشربنا وما أبلينا) و يمارس العبادة كشكل ، وليس كمحتوى يرتقي بها وصولاً لمرضاة الله، فانه بذلك يحصد نتائج سلبية تفقده فرصة السمو و نيل الرضوان  ، فيُظهر التأفف والعصبية والعدوانية فى تعامله مع الآخرين و كأنه يُحمّل الناس جميلةَ صيامه ومعروفَ صلاته و قيامه  .
د. خالد احمد عبدالجبار