الأحد، 25 ديسمبر 2016

( لا تعودي )

ما كاد يبرح المقهى حيث اعتاد قراءة أحزانه و سبر ذكرياته، حتى بدأت السماء بوخز الطاف الطبيعة بماء منهمر، لا يكاد يرى كفه من تلاحم قطراته ، و اشتدت بأثقالها كما ذكرياته التي أتعبت كاهله ...
و مضى يجري متجاوزاً أرتال ما جنته جوارحه من احزان،  و استمر يهز بجنباته الى ملاذ يحميه من تراشق السماء لاوداجه، يسقط هنا و يرتمي بين القنوات متعباً هناك ، في وتيرة من العناء لا تنقطع، لان انقطاع سعيه يعني فقدان الطريق.
تنازلت الطرقات في حينها عن كل ما هو حي إلا عنه ، فهو من بين الخليقة وحيداً يترنح في أزقتها ، يزيد الرعد و يضج الكون بصولاته، و ترتعد فرائصه من لميع البرق و انعكاسه على بحيرات الماء المتراكمة بين خطواته ، و يصيح هل من مغيث ؟هل من نور ينبثق من ستار الليل البهيم فيكون فجراً يوصلني للطريق. ؟ 
لكن هيهات فما من مجيب ، إذن لا مخلوق يتهادى به ، فليكن ظلاً او واق يستتر به ، فخففَ من ركضه و أخذ يتباطأ مستنداً على سُوَرٍ لامسه بأنامله دون ان تتيقن عيناه بما أمسك ، تدارك ما بقي من قوته، علها تعينه في تجاور محنته، و بينما هو على هذا الحال من التعب و زمهرير الماء الذي يلفح جلده المتآكل من طول البلل، لمح ظلاً او ربما شبحاً او عله بقايا سراب يتهالك من وطأة زخات المطر المتواصل على الأنحاء ، اقترب منه ، و كان كلما اقترب منه انكمش الظل على نفسه و زاد سكونه، و هو عكس ما المّ به من انقباض و توجس ، و تراءى له كلما اقترب منه، انه يألف عتمة ذلك الظل ، نعم يألفه ، فصاح  نعم أنتِ !
أي دموع تلك التي انهمرت بها السماء من اجلك و أي حال أصبح مآلك ، لقد اختفيتِ زمناً ، حسبتُ ان لا لقاء سيجمعنا و لو كنت اؤمن بالرجعة لقلت أن ( امرأة العزيز ) رجعت في هيئتك بعد أن أتمت توبتها فغوتْ و عادت لمراودتي بعد ان غلّقتْ قلبي إلا لها .
ما أستطيع قوله الأن بعيداً عن الماضي و آلامه، هو ان تتبعيني لاخرجك من طيات هذه الظلمات التي تعلو بعضها بعضاً، و لكن ارجوك ما أن أصل بك الى حيث يرتاح قلبي بأمانك غادري ، نعم غادري، فولوجي في عشقك ثانية كولوج زورق في المحيط العاصف و سيكتظ عقلي بالافكار المتناسلة عن عدمية إنسانيتك مع يُتم غرامي بك، و ربما كانت سهولة مكسري هو غايتك في لقائي ثانية، فارفقي بي ارجوك و غادري ، دعيني لسلامة الروح و سكينة الفؤاد، فقد اعتدت غيابك و لا فسحة لدي للعزاء والسلوان .

(د. خالد عبدالجبار)

هناك تعليق واحد: