الثلاثاء، 10 يناير 2017

(كانت هنا)
جمع أوراقه و أخذ حقيبته ملتحفاً بالهموم، مطأطئ الرأس ، ليغادر مكتبة الكلية بعد أن قرأ كلماتها الجافة التي أرسلتها عبر الخلويّ، كانت جفاف تلك الكلمات تكفيه ألماً لبقيةِ يومه. وما إن همّ بمغادرة المكتبة, حتى رآها أمام أرفف كتبٍ على مقربةٍ منه، فعاد مسرعاً دون أن تشعر به، أو هكذا خُيل له، عاد لمكان قراءته المعتاد و أخذ يرتب جنباته و ينفض الغبار ماسحاً له بكم قميصه، فربما تأتي و يكون هو المقصود بحضورها .
على الرغم من كونها ابنة خاله و زميلته في نفس الكلية إلا أن خلافات حدثت في الماضي بين أسرتيهما حالت بين وصالهما، فأمها ترفض أن يكون بينهما تواصل يتعدى الزمالة، و أخبرتها أنها لو اكتشفت غير ذلك فإنها ستقوم بنقلها إلى كلية أخرى! فكانت فحوى رسالتها أن ابتعد عني ، ممزوجة بقسوة ِتعبيرٍ ، لتخبره بأن هذا ما يجب أن يكون، فمستقبلها أهم !

عاد أدراجه، و جلس على كرسيه ممسكاً كتاباً لتراه يقرأ، ولو رأته على هذه الحالة فستضحك لأن الكتاب كان مقلوباً بين يديه. انتبه و بسرعة خاطفة فتح شنطته و أخرج حاسوبه، فهذا الوضع المثالي الذي يداري ارتباكه، وبقى أن يرتب هندامه، فشد قميصه وعدل بنطاله و خلع نظارته فهي تحب أن تراه بلا نظارة ! 
لا لا, ضع النظارة على عينيك لتبدو طبيعياً، وبينما هو على هذه الحال, سمع تغريدتها وهي تلقي السلام ، لقد أشرقت شمسه ثانية فهي هنا.
كيف حالك ؟ فأجاب بتمتمة لا يذكر ماذا قال فيها، إلا أنها بادرت بسؤاله عن أحد المراجع على عجل، لتوهمه أن قدومها كان لذلك، كان مسروراً بالبقية الباقية من وصالها، حتى لو كانت على عجل! كان مرتبكاً بقلب يخفق و عين خجولة تسترق النظرات، جلست بعد إلحاحٍ منه فقد استدرجها بعفويته، أخذ يقص عليها حكايات من طفولته و هي تسمع مبتسمة و كانت كلما ابتسمت شعت أساريره من عينيه، و غاص في طفولته، لقد كان يشعر دائماً أنها رفيقة طفولة لم يعيشاها سوياً، وكانت دائماً تقول له مازلت طفلاً لم يكبر ويجيبها بأن شقاوتك أصغر من طفولتي .
مضت دقائق كانت من أسعد اللحظات التي عاشها. فجأة قاطعته لضرورة ذهابها، هز رأسه متفهماً وداخله يصرخ  لا تذهبي، كان لا ينظر لعينيها، فهو يعلم أن لسانه معقود بعينيه .
وقف يودعها وهو ينظر لظلها و يسمع خطاها في داخله، وما إن غادرت حتى غرق المكان بظلمة ليلٍ غاب قمره، و خَر على كرسيه منهكاً متأملاً مكان جلوسها، مسترجعاً ما دار بينهما من حديث، دمعت عيناه و هو يقول كانت هنا منذ قليل.
د. خالد عبدالجبار

هناك تعليق واحد: