الجمعة، 3 يونيو 2016

رمضان يرتقي بالأرواح
ياتي رمضان للمسلمين بما يحمله من خصوصية معاني ، تتأرجح بين صور في الذاكرة و اخرى مُنتظرة ، تجمع الفرد بما يأمل من نفحاته و ما يرجوه من فرص تغييرٍ يراها مؤاتية في طياته ، فهو بعقله الجمعي كمسلم يسعى لتحقيق الإيجابية بما تحمل أيامه و لياليه من عادات وتقاليد وعبادات.
إن الآثار الإيجابية لرمضان تتوالى تباعاً على المسلم بتسلسل يتوافق مع نموذج المحاور الستة المكونة لحياة الانسان
 ( روحاني- اخلاقي - اجتماعي - نفسي - عقلي - جسدي ) فمن المعلوم جزماً تأثير رمضان الكريم على الارتقاء الروحاني الذي يتجاوز مرحلة الإمتناع المجرد عن المأكل و المشرب و ظهور اثر ذلك على علاقته بغيره عائلياً و اجتماعياً من خلال ما يبديه من تسامح و عفو و فضائل اخلاق و بذل و سخاء يرتجي بها حسن الثواب و تمام الاجر ، و هو ما ينعكس بأبعاده النفسيه عليه من طمأنينة و انشراح و سعادة ظاهرة على محياه ، فيرفع من كفاءة وظائفه العقلية من خلال اعادة التوازن بين النواقل العصبية المختلفة و منظومة الغدد في جسمه،  و هذا يتوافق ضمناً مع ما نصت عليه منظمة الصحة العالمية في تعريفها لمفهوم الصحة النفسية المتمثلة في رفاهية الفرد و طمأنينته الناتجة من توازن المكونات الستة لحياته، و التي تساعده  على إدراك إمكانياته والتعامل مع ضغوط الحياة العادية و القدرة على الإنتاج ومساعدة المجتمع.
كما ان الإنشغال بالعبادات من صلاة تراويح وقيام ليل، يزيد من حركة الجسم و ليونته ويزيل عنه الخمول ، ويدعم  صورة الجسد الإيجابية , وقد جاء ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول  قيام الليل فقال: عليكم بقيام الليل فانه دأب الصالحين قبلكم و قربة إلى الله عز و جل و منهاة عن الإثم و تكفيراً للسيئات و مطردة للداء من الجسد)
و أما فيما يتصل بالدوائر الخمسة  المكونة للمدرسة المعرفية السلوكية و التي تشكل العادات و الطبائع ، و المتضمنة في ترتيبها( المثير و المعرفة والمشاعر و الإحساس الجسدي و اخيراً السلوك ) فرمضان تطبيق عملي لهذه النظرية .
إذ ان البرمجة المعرفية في تفسير المثيرات و العيش مع الأحداث  تحدد الكثير من استجابتنا العاطفية فينعكس بدوره على انفعالاتنا و سلوكياتنا.
إن الصوم يمنح المسلم فرصة تدريب عظيمة على التحكم في المدخلات والمثيرات العصبية مع القدرة على البرمجة المعرفية السليمة لها و بالتالي  ضبط المشاعر الناتجة عنها و خفض المؤثر الحسي ومنعه من مراكز الانفعال بالمخ، مما يفضي الى سلوكيات محمودة، بالإضافة إلى أن الالتزام الذي يعقده المسلم مع نفسه بإظهار النية و تلفظها ، مصحوبة ً بالضبط الذاتي معرفياً ونفسياً وسلوكياً ، هي ما تنشده كثير من طرق العلاج النفسي.
فمن يرى أن الجانب الروحي هو الهدف الرئيسي  في العلاقة مع رمضان، فان ذلك يزيد في إيمانه وتهذيب سلوكه ، فينجح في السيطرة على شهواته وتجديد علاقاته، و يتفوق مبادراً في برمجة  يومه و نومه واستيقاظه ، فيصبح رمضان شهر تجديد وتغيير و اكتساب عادات  إيجابية .
أما إذا حدد الشخص هدفه معرفياً، بالتركيز على المأكل والمشرب وطقوس الولائم، مؤكداً معنى الحديث ( بأنه ليس لنا من الدنيا إلا مأكلنا ومشربنا وما أبلينا) و يمارس العبادة كشكل ، وليس كمحتوى يرتقي بها وصولاً لمرضاة الله، فانه بذلك يحصد نتائج سلبية تفقده فرصة السمو و نيل الرضوان  ، فيُظهر التأفف والعصبية والعدوانية فى تعامله مع الآخرين و كأنه يُحمّل الناس جميلةَ صيامه ومعروفَ صلاته و قيامه  .
د. خالد احمد عبدالجبار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق