الثلاثاء، 14 يونيو 2016

(رمضان و الأمراض النفسية)

عندما يأتي شهر رمضان المبارك ، تكثر الأسئلة حول تناول الأدوية في هذا الشهر الكريم ، و من بينها الأدوية النفسية ، حيث يواجه المصابون بالأمراض النفسية المزمنة ، بعض المشكلات خلال شهر رمضان ،  فتتولد لديهم و لذويهم استفسارات حول تناول أدويتهم،  و النصائح و الإرشادات التي تساعد على استقرار حالتهم، مع ظروف الصيام و اختلاف أوقات النوم والاستيقاظ و مواعيد الأكل ، لذلك سوف نوضح هنا، ما يمكن تكييفه من الأدوية، و نذكر بعض التعليمات المتناسبة، مع التغيرات الزمنية في شهر رمضان المبارك، حتى يتمكن المريض من الصيام، بما لا يتعارض مع أخذ الأدوية، و بما يضمن دوام الاستقرار لحالته .
إن من أكثر الأدوية الشائع أستخدامها بين المرضى النفسيين هي الأدوية المضادة للاكتئاب، و كما هو معلوم فان هذه الأدوية تستخدم لعلاج حالات مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، الاكتئاب و القلق و الوسواس القهري  و الرهاب  .
فإن كانت هذه الأدوية تؤخذ مساءً خلال الأيام العادية، فانها لا تصلُح أن تؤخذ في مساء رمضان مبكراً ، لأن مثل هذه الأدوية قد تُسبّب النعُاس  في بداية المساء و قد تقلل من ردود أفعال المريض ، وهذا أمر قد لا يكون مُستحباً بالنسبة للمريض ، في شهر رمضان ،كونها قد تتعارض مع عمله او صلاته او مشاركاته الاجتماعية او حتى قيادته للسيارة ، لذلك يجب أن يُؤَخَّر أخذ هذه الأدوية التي تُسبّب النُعاس إلى وقتٍ متأخر أي بعد السحور و قبل صلاة الفجر، و هناك ايضاً، أدوية مضادة للاكتئاب ،تُنشّط المريض ،لذلك يجب أخذها بعد الفطور مباشرةَ، حتى لا تقود إلى الأرق و تُحدث أضطراباً في النوم.
و هذا الحال ينطبق على البعض من هذه الأدوية، والتي تسبب جفاف في الحلق وهذا يؤدي إلى صعوبة في الصيام بسبب الجفاف الشديد الذي تسببه ، لذلك يفضّل اخذها بعد الإفطار أو أستبدالها بأخرى بحسب ما يراه الطبيب المعالج .
اما بالنسبة للادوية التي يتم تناولها مرتين يومياً ، فتكون الجرعة الأولى عند الإفطار ، والثانية عند السحور ، بشرط مراعاة الآثار  الجانبية ، التي قد تؤثر على أداء المريض ،خلال يومه و ليلته، أو أستبدالها بأدوية طويلة المفعول (24 ساعة )

و عندما نتحدث عن الأمراض النفسية الشديدة ، مثل حالات  الذهان و الفصام و الاضطراب الوجداني ، وأخرى غيرها ، فإنها تحتاج لرعاية أسرية مكثفة، لمتابعة المريض في اخذه الدواء بانتظام، و كذلك مرافقته لمراجعة العيادة لتجديد العلاج، و عمل الفحوصات الدورية، كما هو الحال مع مثبتات المزاج ،و ايضاً لمراجعة الخطة العلاجية للمريض ، و خضوعه للجلسات الفردية او الجماعية  في زياراته المنتظمة . و التي يحتاجها لتعلم المهارات التي تساعده في التخفيف من وطأة المرض و مواجهة  ضغوط الحياة  و تحسين جودة حياتهم.
فهنا يتوجب على المرضى و ذويهم أخذ الحيطة و الحذر لضمان استقرار حالته النفسية و استمرار تعافيه، وذلك بزيارة الطبيب قبل رمضان او في بداية أيامه  ، للتشاور معه و أخذ التعليمات المناسبة في تناول الأدوية خلال ايام رمضان المبارك و التي قد تستبدل بإبر طويلة المفعول تاخذ كل اسبوعين او أربعة أسابيع، او ربما حلول اخرى ،تتناسب مع حالة المريض ،و رغبته في الصيام ، و ايضاً أخذ الامر مأخذ الجد، فيما يخص إعطاء الإهتمام المطلوب لمرضاهم، و استغلال رمضان بروحانيته، و اجتماعاته الاسرية ،في دمج المريض مع من حوله، بما يتناسب مع قدرته و دافعيته لذلك.
 لقد اثبتت بعض الدراسات، الذي تناولت هذا الموضوع ،ارتفاع حالات الانتكاسة ،في بعض هذه الأمراض ،و نذكر هنا تحديداً دراسة مغربية (قادري ٢٠٠٠) و التي اجريت على بعض مرضى الذهان الدوري حيث اثبتت ان  ٥٠٪ ممن خضعوا لهذه الدارسة انتكسوا في رمضان ، و البقية زاد عندهم الأرق و القلق، و يعتقد الباحثون أن سبب ذلك، قد يكون التغير المفاجئ ،في نظام النوم و الاستيقاظ و مواعيد الأكل.
إلا أن ما يضيف بعداً آخر لتفسير سبب الانتكاسة لحالات نفسية كثيرة، هو انشغال أسر المرضى في رمضان (في الزيارات و المشاركات الاجتماعية او استقبال الضيوف و اداء العبادات المختلفة من صلاة و اداء عمرة او اعتكاف ) عن متابعة مرضاهم في أخذهم لأدويتهم، كما كانوا معتادين قبل رمضان، او عدم التأكد من وفرة الأدوية لديهم ،و أحياناً أخرى إغفال موعد المتابعة لعيادة الأمراض النفسية، لتجديد العلاج او التشاور مع الطبيب المعالج فيما يخص تناول الأدوية في رمضان ، و لا ننسى جهل بعض الأُسر بطبيعة الأمراض النفسية مثل الفصام ،فيجبرون مرضاهم على الصيام و الصلاة و الاختلاط بالناس و استقبالهم، و هؤلاء المرضى  يجدون صعوبة في اداء العبادات و كذلك عدم قدرة الكثير منهم التخلي عن عاداته مثل التدخين و شرب المنبهات.
و بعض الأسر على العكس من ذلك يخرجون في مناسبات اجتماعية تاركين مراضهم وحيدين في المنزل لأسباب مختلفة مما يزيد في عزلتهم.
و مما يؤلم اكثر حدوث حالات يرغب فيها أهل المريض إدخاله المستشفي ، ليرتاحوا من عناء رعايته في هذا الشهر ،خاصة لو تزامن ذلك مع اجازة بعضهم ، ممن أراد حزم امتعته للسفر، فيقوم بادخال المريض المستشفى ، باعراض اقل ما يقال عنها أنها مبالغٌ فيها أو ملفقة.
لذلك فان التثقيف الاسري و المجتمعي، بطبيعة الأمراض النفسية، و خصوصية رمضان مع المرضى النفسيين ، حاجة ملحة لجعل رمضان فرصة، لدمج هؤلاء المرضى مع اسرهم و مجتمعهم المحيط، بأساليب علاجية، يمكن تقنينها و تقديمها ،ضمن خطة استثنائية، تخدم المريض و تعزز علاقته بأسرته، خلال ايام هذا الشهر الكريِّم.
و ختاماً نذكر بإن من أزكى الأعمال، و أحبها عند الله تعالى ، وأعلاها شرفاً، وأكرمها مروءة ، الإحسانَ إلى المريض و مرافقته والقيامَ على رعايته والعناية به، فهنيئاً لمن وفقه الله تعالى لذلك ، فبذل وقته وجهده ،و احتسب الاجر و عظيم الثواب، من رب الله و السموات .
د . خالد احمد عبدالجبار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق